مبارزة

Duel

31/1/1983

عزيزي المشاهد…مساء الخير…

أحييك في لقائنا هذا الأسبوع مع حلقة جديدة من برنامج “نادي السينما”…وأقدم لك الليلة أول أفلام المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرج “مبارزة”… ومدته سبعون دقيقة.

التوقيت الأصلي لفيلم الليلة كما عرض في دور العرض السينمائي هو تسعون دقيقة حذف منها، عندما عرض الفيلم في التلفزيونات الأميركية، نحو عشرين دقيقة من المشاهد التي تزيد من جرعة الإثارة والتشويق وتخدم الغاية النهائية للفيلم. لست أدري لماذا تم الحذف أصلًا خاصة أن المشاهد المحذوفة ليس فيها ما يضير تلفزيونيًا. ونحن نعرض الليلة نسخة التلفزيون الأميركية كما وردت إلى تلفزيون الكويت من الشركة الموزعة.

طبعاً الذي أضير أكثر من غيره بالحذف التلفزيوني هو المخرج النجم ستيفن سبيلبرج الذي اعتبر فعلًا طيلة العقد الماضي نجم أفلامه الأول، واعتبر جواد هوليوود الرابح. وكانت أطرف التسميات تفسير حرفي SS في اسميه ستيفن سبيلبرج! و كما نعلم فإن ال S علامة الدولار. ال S الأولى من أجل الدولارات والثانية من أجل مزيد من الدولارات!

صحيح!

فهذا المخرج الشاب، الذي ولد في عام 1947، عاشق متيم بالسينما منذ طفولته. وفي سن الثانية عشرة كتب وأخرج أول أفلامه للهواة مع ممثلين، وفي سن الثالثة عشرة فاز في مسابقة بفيلم حربي للهواة مدته 40 دقيقة بعنوان “هروب إلى لا مكان”، وفي سن السادسة عشرة أخرج فيلمًا روائيًا طويلًا للهواة أيضًا مدته 140 دقيقة بعنوان “قتال بالنيران”. وخلال دراسته في قسم السينما في جامعة كاليفورنيا أخرج خمسة أفلام، وعندما عرض له فيلمه القصير “تجميع” في عام 1969 في مهرجان أتلانتا تعاقدت معه شركة يونيفرسال أحد أكبر وأعرق شركات الإنتاج والتوزيع في العالم على إخراج بعض أعمالها للتلفزيون وكان أهمها فيلم الليلة “مبارزة”، الذي أنجزه في عام 1972، وتكلّف أقل من نصف مليون دولار. ولكنه عند عرضه بدور السينما حقق ثلاثة ملايين ورقمًا مماثلًا بالتلفزيون.

ومنذ ذلك الحين بدأ فأل الدولارات الطيب يرافق الشاب ستيفن فكتب وأخرج في عام 1974 “أكسبريس شوجر لاند”، الذي عرضناه من قبل في برنامج “نادي السينما”، وحقق نجاحًا تجاريًا معقولًا، ثم بدأت ماكينة الدولارات تعمل بأقصى سرعة مع نجاحة الهائل في “الفك المفترس” عام 1975. بعدها تحول سبيلبرج إلى ظاهرة أميركية خالصة! فالمهم أولًا هو النجاح ويعني تحقيق ربح هائل من هذا النجاح. وبدأ المنتجون في هوليوود يطاردونه. وفي عام 1977 بدأ أول موضوعاته الفضائية “لقاءات قريبة من النوع الثالث” عن لقاءات بشرية مع كائنات فضائية، وفي العام التالي أصدر طبعة أخرى من الفيلم بنهاية مختلفة ونجح الفيلم نجاحًا ماديًا كبيرًا.

فيلم واحد له لم يحقق النجاح المطلوب هو “1941” وهو دراما حربية أيضاً في عام 1978. ولكن سبيلبرج وماكينته سرعان ما عادا ليحققا نجاحًا خرافيًا في “الباحثون عن تابوت العهد” في عام 1981 الذي حقق خلال عرض أسبوع واحد في فقط  938 دار عرض أميركية أكثر من نحو 14 مليون دولار!

ودارت الماكينة بسرعة أكبر مع أحدث أفلامه ”E.T” (1982) الذي يحقق الآن أرباحًا خرافية زادت حتى الآن عن 130 مليون دولار! بالإضافة إلى فيلم آخر شارك في إنتاجه هو ”Poltergeist”  الذي يحقق نجاحًا ماديًا هائلًا الآن.

نحن إذًا أمام ظاهرة خاصة في النجاح الجماهيري، وما يعنينا هنا هو: هل تمتعنا أفلام سبيلبرج حقاً؟ هل تعلمنا شيئًا وتسلينا في الوقت نفسه؟ وهل هناك أية أبعاد ذات عمق خلف مجريات الأحداث في أفلامه؟

الإجابة باختصار نعم! ولكنها متعة فكرية خاصة تختلف، وهذا طبيعي، عن المتعة التي تثيرها فينا أعمال مخرجين فنانين عظام.

أعمال سبيلبرج أعمال سهلة وبسيطة وتصل إلى أي قطاع من المشاهدين بيسر، ولكن الذي يحاول أن يبحث عن عمق هنا أو هناك سيجده إلى حد ما، وهذا مصدر من مصادر المتعة بالتأكيد.

في “مبارزة” و”شوجر لاند أكسبريس” كانت هناك دراما الطريق… سيارات وطرق وحكايات وأقدار بشرية تتحرك فوقها.

في “لقاءات قريبة من النوع الثالث” و ”E.T” هناك محاولة للتآلف مع فكرة وجود كائنات أخرى غير إنسانية فوق كواكب أخرى قد تزور كوكبنا يومًا ما، إنه نوع من الخيال العلمي المبسط.

موهبة سبيلبرج واضحة تمامًا في فيلم الليلة الذي أفضل أن أعرضه عليك أولًا ثم نتناول الفيلم بتعليق سريع بعد أن تكون قد شاهدته.

وقتاً ممتعاً أرجوه لك مع “مبارزة” وشكراً لك.

عرض الفيلم

صور سبيلبرج فيلمه هذا في ستة عشر يومًا ولكنه كما صرح عاش قبل ذلك مع البطل النقيض في فيلمه لفترة طويلة قال: “إذا كان لديك ممثل رئيسي تعمل معه (يقصد دينيس ويفر) فإن الناقلة تصبح هي الممثل المضاد، لقد بدأت تصويرها وكأنها كائن حي بشخصية بغيضة لها حضور مرعب.”

ويضيف دينيس ويفر قائلًا: “لقد أحسست بهذا بعد قليل، أصبح يمكنني أن أقسم أن هذا الشيء حي وكأنه وحش من عصور ما قبل التاريخ، ديناصور مثلًا خرج ليقتلك.”

الإحساس بوحشية الناقلة وصل إلينا عن طريق الشكل الخارجي والصوت وغموض دافع القتل، تماماً مثل “الطيور” في فيلم هتشكوك الذي عرضناه في البرنامج؛ شكلها منفر وصوتها بغيض ودافعها للقتل غامض.

وفي هذا يدين سبيلبرج بالكثير لهتشكوك وقد صرح هو نفسه ذات مرة أن أفلامه هي “خليط من تجارب ذاتية وكل أفلام والت ديزني وكل أفلام هتشكوك.”

وبالتالي سعى سبيلبرج إلى أن يصنع سينما خالصة (خاصة في أفلام التشويق والإثارة كما شرحت ذات مرة عند تقديم هتشكوك) سينما خالصة أي لا تعتمد كثيرًا على الحوار.

زوايا تصوير الشاحنة مثلًا التي استخدم فيها كاميراتي تصوير، وشريط الصوت الذي يتكون من صوت الناقلة (بالمقارنة بصوت السيارة الخصوصي) يمتزج بموسيقى إلكترونية مزعجة.

هذه سينما بدون أي حوار تصل إليك بالمعنى.

اختيار المكان المتعرج المنحني بحيث لا تعلم أي مفاجأة تنتظرك عند هذا المنعطف أو ذاك، مجرد اختيار المكان هو جزء من الدراما السينمائية.

أحجام اللقطات الهتشكوكية  الواضحة (اللقطات القريبة واستخدام العدسة الواسعة في اللقطات القريبة أحيانًا يشوه المنظور ويزيد من إحساس المشاهد بالتوتر).

هذا أيضًا من أساليب السينما الخالصة.

ولعل أضعف النقاط هنا هي استخدام المونولوج (الحديث الداخلي) عند دينيس ويفر بدلًا من الاكتفاء بالصورة.

ولعل أقواها هو مشهد النهاية… مشهد سقوط الشاحنة بالحركة البطيئة… كان لابد منه لكي يرضي في المشاهد شعوره بالانتقام… فلم تعد المسألة هنا هي لماذا تهاجم هذه الناقلة السيارة الصغيرة؟!… بل أصبحت يجب أن تهلك هذه الناقلة وأن أشاهد هلاكها بوضوح وبصبر أيضًا.

عزيزي المشاهد…

لا أريد أن أطيل عليك بتفاصيل كثيرة أخرى، ولكن إلى أن نلتقي مع أفلام أخرى لسبيلبرج أرجول لك وقتًا طيبًا ومفيدًا وممتعًا.

شكراً لك وإلى اللقاء.

 

Comments are closed.