بقلم : الفاروق عبد العزيز
برنامج “نادي السينما”

فيلم “الحصان الأسود”

The Black Stallion

حلقة 21/1/1985

أعزائي المشاهدين مساء الخير…

أحييكم وأرحب بكم مع حلقة جديدة من برنامج “نادي السينما” وأقدم لكم فيها فيلمًا جميلًا حقًا مدته ساعتان تقريبًا هو “الحصان الأسود” من إخراج كارول بالارد ومن إنتاج أحد كبار فناني السينما الأميركية فرانسيس فورد كوبولا مخرج “الأب الروحي” و “المحادثة” و”الرؤيا الآن”.

فيلم الليلة يبدو لأول وهلة فيلمًا “للأطفال”. تماما مثل الانطباع الذي تولّد لدينا لأول وهلة حين شاهدنا فيلم سيدني ليوميت “الساحر” قبل ثلاثة أسابيع وتبعًا لهذا الانطباع فإننا نصنف على الفور داخل البيت الواحد نوعية وعمر مشاهدي هذين الفيلمين باعتبارهما فيلمين للأطفال.

والواقع أن أغلب مشاهدي السينما والتليفزيون عبر العالم يقعون بدرجات متفاوتة في الخلط بين فيلم للأطفال وفيلم للعائلة كلها، ولا يعني هذا للكبار في العائلة فقط ولكن يعني فيلمًا يمكن لسائر أفراد العائلة مجتمعين أن يتلقوا منه رسالة تتفاوت درجة تأثيرها حسب تكوين عمر كل فرد من أفراد العائلة.

والواقع أيضًا أن نوعية أفلام العائلة تصنف خطأً كأفلام أطفال بسهولة لما تثيره هذه الأفلام في النفس من شعور بالاسترخاء ووضوح رموز الصراع بين قوى الخير وقوى الشر والبساطة المعجزة في تناول الأطفال لمشكلات هذا العالم الكبير.

نحن الكبار تعودنا على تناول مشكلات وعواطف وانفعالات أكثر تعقيدًا وتركيبًا فإذا ما شاهدنا فيلمًا يبث فينا شعورًا بالاسترخاء بطله “طفل” قلنا على الفور هذا فيلم للأطفال .

فيلم الليلة فيلم لكل أفراد العائلة. فيلم للكبار أيضًا لأنه يقدم لنا بحثًا واستقصاءً عن علاقة الكائن الإنساني مع الطبيعة. عن بحثه عن عناصر التوحّد واللقاء معها كوسيلة لمعرفة نفسه ومعرفة الآخرين.
مفصل اللقاء أو نقطة اللقاء بين الكائن الإنساني (المُمثّل هنا في الطفل كيلي رينو) وبين الطبيعة تحققت في لقائه مع الحصان العربي الأسود الأصيل. نقطة تماس بين عالمين ما لبثا أن اتحدا.
ومن هنا تتولد لدينا نحن الكبار مشاعر الاسترخاء. شعور بالتحقق وبالتكامل بين عنصرين من عناصر الوجود. تتولد لدى العائلة مشاعر الرضى والاسترخاء أيضًا من الرغبة في رؤية العالم من خلال عيني طفل. تجارب الكبار من جانب…حنانهم…قسوتهم. الطبيعة من جانب آخر. بحنانها وقسوتها. كل ذلك يرتسم على هاتين العينين الواسعتين اللتين تذكرانا بعبارة الشاعر الرومانسي البريطاني الكبير وردزورث:
“الطفل أب للرجل
وإني لأرغب في أن تكون أيامي
يشد بعضها بعضًا
ورع طبيعي”

أعزائي المشاهدين…
آمل أن نقضي وقتا مفيدًا وممتعًا حقًا مع فيلم جميل. وبعد الفيلم نستكمل التعليق على أبرز عناصر الامتياز فيه.
شكرا لكم.

مرحبا بكم مرة أخرى أعزائي المشاهدين…وآمل أن يكون الفيلم قد أمتعكم حقًا.

يخيل إلي أن مصدر المتعة (ويشارك في هذا الرأي عدد من النقاد) هو أن الفيلم – على مستوى السيناريو – يرسم صورة تفصيلية للعلاقة بين الصبي والحصان (التي هي جوهر الفيلم) في إطار غير اعتيادي.
بعبارة أخرى نحن نشاهد تفاصيل تطوّر العلاقة بين الكائن الإنساني وبين الحيوان من خلال رابطة أسطورية تربط بينهما.

ما نشاهده ليس مجرد يوميات اعتيادية عن علاقة حب بين طرفين ولكنه الإطار الذي يحتوي هذه اليوميات بما فيه من جلال ورومانسية غالبة وإظهار للطاقة الهائلة الكامنة في الطفل (الذي هو أب للرجل عند وردزورث) وفيه تفسير لمعنى المشاعر البسيطة التي تصنع أنقى ما هذا العالم.

النقطة الثانية هي أن الفيلم في نهايته يرضي أحاسيس الفوز والتعويض لدى المشاهدين. لقد فقد الطفل أباه. ويتساءل المشاهد لم لا يُعوض إذن؟ ويأتي التعويض في صورة الحصان العربي الجميل الذي يحقق له الفوز في سباق الحياة.
وهنا يشعر المشاهدون بشيء من الرضا.

وقد نطرح للمشاهدين سؤالًا: من هم أبطال الفيلم؟
لنحاول الإجابة…كيلي رينو – الصبي؟ بالتأكيد فهو ممثل ممتاز أكثر طبيعية من أي شيء آخر شاهدناه على الشاشة.
والممثلون الأطفال إما أن يكونوا ممتازين فعلًا وإما لا يكونوا لا حل وسطًا معهم لأن كل شيء يكون مرسومًا على وجوههم بأكثر مما يمكن إخفاؤه. الممثلون الكبار يستطيعون التحكم في انفعالاتهم ومداراة ما يجب مداراته.
ولذا فإن التعامل مع الأطفال الممثلين مشكلة كبرى لأي مخرج. وقد اختير الصبي رينو من بين عشرة آلاف طفل دخلوا في مسابقة للفوز ببطولة الفيلم.

بطل آخر…هو الحصان الأسود. أليس كذلك؟
بالتأكيد أيضًا. ولنا أن نتخيل مقدار الصعوبة في تدريب الحصان للاعتياد على طاقم الفنيين والكاميرات والأضواء طوال الوقت. ولكن المخرج كارول بالارد أتى بعكس توقعاتنا. قال:
“إن هذا الحصان العربي الأسود الجميل كان أسهل انقيادًا وأكثر ذكاءً من كثير من الممثلين البشر الذين تعاملت معهم”.

فيلمه التالي “للحصان الأسود” كان عن حيوان آخر لا يمكن تخيل إمكانية تدريبه: الذئب!

أحد أهم أبطال الفيلم – بالإضافة إلى المخرج الذي وضع توليفة الفيلم كعمل فني متكامل هو المصور الحائز على الأوسكار الذي برهن على أن التصوير الجيد ليس نقلًا لما هو مرئي والسلام. ولكنه “رسم بالنور” لخلق الجو المطلوب.
وإذا كان امتياز السيناريو يتمثل أساسًا في تكوين الشخصيات ورسم العلاقات، وامتياز المخرج في إدارة كاميرته وممثليه، فإن امتياز المصور يتمثّل في أنه المسؤول الأول عن عرض هذا كله على الشاشة.

لابد أن يتمتع المصور الجيد بالقدرة على “الرؤية” وتفسير الشخصيات تفسيرًا ضوئيًا لونيًا من خلال معادلة بالغة الحساسية. شاهدناه كيف يقدم الحصان في ضوء يجمع بين الإحساس الواقعي والإحساس الأسطوري. وعرف المصور متى يجعل من الحصان سلويت أسود على مساحة فاتحة اللون وكيف يجعله ذائب الأطراف حينًا أو محدد التكوين حينًا آخر.

أحد أبطال هذا العمل أيضا هو كارمين كوبولا والد المنتج فرانسيس فورد كوبولا الذي وضع الموسيقى بإيقاع وتيمات شرقية تلائم تقديم البطل الأساسي للفيلم: “الحصان الأسود”.

بهذا أصل معكم أعزائي المشاهدين إلى ختام حلقة الليلة من برنامج “نادي السينما”.
إلى أن نلتقي مساء الاثنين المقبل على خير إن شاء الله…أرجو لكم وقتًا مفيدًا وممتعًا.
شكرا لكم وإلى اللقاء وتصبحون على خير…

Comments are closed.